الترويع من مادة (روع)، وهو أصل يدلّ على فَزَعٍ أو مستقرِّ فَزَعٍ، ودلالته هنا إما أنْ تكون على السلوك أو منشأ السلوك، فالفزع إما أن يدلّ على الذُّعرِ أو الإغاثة، وفي كلٍّ منهما حركةٌ واضطراب إلا أنّ اضطراب الذعر يحجم بالنفس أنْ تقدم، واضطراب الإغاثة يدفعها نحو الإقدام، ولسنا في حاجةٍ إلى بيان ذلك في منشأ الفزع؛ لأنّك إذا قصدتَ الفزع شملت منشأه، وإذا تكلمتَ عن منشئه أشرتَ إلى الاضطرابِ الذي يتولَّدُ عن فزع الرَّوع.
والسؤال هنا: ما فائدة ذلك في براعة الترويع في القرآن الكريم؟
والجواب في تقديري والله أعلم أنّ الترويع في القرآن الكريم يقصدُ منه أنْ يتحقق في القلب الخوف والرجاء؛ لأنَّ الخوف ذعرٌ مانعٌ من اقتراف عكس المخوف منه، والرجاء أملٌ فيه بعض الانتظار لمحبوب.
والسور التي افتتحت بما يفيد الترويع كقوله تعالى :{أتى أمر الله...} وقوله تعالى: {براءة من الله ورسوله...} وقوله تعالى: {الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله...} وقوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية} تربّي في النفس الفزع والذعر في القلب فيسلو عن كل ما يشغله، ويجمعُ ذاته على مصدر ذعره فيستقرُّ كلام الله فيه، وعندئذٍ يكون دافعًا إلى العمل والانقيادِ لما تلي عليه، وليس معنى هذا أنْ يؤمن الشخص بالله تعالى بل المهم أنْ يجد في نفسه إقرارًا بما راعه، ونقاشًا حادًّا مع نفسه ولومًا لها على عدم اتباعه إنْ لم يكن موفقًا للهداية، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.
ومن براعة ما تفتتح به القصائد أنْ يتّجه الشاعر إلى (ترويع) المخاطب؛ لأنّ الترويع يفصل المخاطب عن عالمه، ويكثّف تركيزه على مصدر ما روَّعه، ولعل من ذلك قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى... لأنّ افتتاح الكلام بالأمر بالبكاء من أكثر ما يفزع النفس؛ ولا يكون البكاء إلا لعظيم.
28/12/ 1442
7/8/2021