من الأخبار التي أوردها الجاحظ في استعمال الغريبِ من الكلام ذلك الخبرُ عن أبي علقمة النحوي مع الحجّام حين قال له وقد هاج به الدّم: "اشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع وعجِّل النزع، وليكن شرطك وخزًا ومصُّك نهزًا، ولا تُكرِهنَّ أبيًّا ولا تردُّنَّ أبيًّا".
والذي أجده أنَّ الجاحظ يشرح رأي العتّابي في الإفهام حين قال جوابًا عن سؤال: ما البلاغة؟ "كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسةٍ ولا استعانةٍ فهو بليغ".
ويشرحُ كذلك قول بشر بن المعتمر المعتزلي: "فإنْ أمكنك أنْ تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك إلى أنْ افهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسطة فأنت البليغ التام".
ومعنى ذلك أنّ الكلام ينقسمُ إلى ما يقصدُ به الإفهام وما يقصد به البيان، وأنّ الكلام في ترتيبه من جهة التميّز يأتي في أوله الكلام البياني، ثم الكلام الإفهامي.
وليس ذلك على الإطلاق، بل لابد في الكلام البياني أنْ يكون ممكنًا، وشرطُ الإمكان أنْ يكون المعنى مكسوًّا بألفاظ العامّة، أي: بما يتداولونه بينهم وهو من الفصيح الذي استساغته أنفسهم، وخفَّته به ألسنتهم، ولذلك تجد خبر علقمة النحوي يبرز المعاني بألفاظ غريبةٍ على الحجَّام؛ لأنّ أصحاب المهنِ تنشأ بينهم ألفاظٌ تحظى بالشهرةِ والخفّة فيحملون عليها معانيهم، وعدم مراعاة ذلك يوقع في تطويل الكلام الذي قال فيه عمرو بن عبيد -شيخ المعتزلة- "طول الكلام يُعرِّض المتكلم لأسباب التكلُّف".
١/ ١/ ١٤٤٣
٩/ ٨/ ٢٠٢١