التحدي البلاغي أنْ يُضمَّ إلى الإفهامِ المتابعة لمسالك العرب في كلامها، وهذا الشرط هو جوهرُ الفكرةِ البلاغية عند المتكلِّمين وأرباب الكُتَّاب الذين اشتغلوا بتدبير المعاني السلطانية بالألفاظِ التي يدركها النَّاس على اختلاف طبقاتهم.

ومعنى هذا أنّ المتكلمين يرون تحقق وصف البلاغة عندما يكتمل شرطان:

١. الإفهام.

٢. الاقتداء بمجاري كلام العرب الفصحاء.

وشرطا الإفهام والاقتداء يمنعان من دخول الكلام الذي غايته الإفهام كالكلام الجاري في الأسواق، والكلام الذي تنقل به الطُّرَف والمضحكات، والأحاديث مع غير العرب من الذين يخطئون في الإعراب أو يلكنون، وهذا كله لا يدخل في البلاغة عند المتكلمين، بل هو كلامٌ ينهضُ بركن الإفهام وهو أكثرُ كلام البشر.

أمَّا البلاغةُ فذكاء المتكلِّم المعبَّرُ عنه بالإفهام، وهويته المعبَّرُ عنها بالاقتداء بمنطوق العرب الفصحاء.

وقد نبَّه الجاحظ على ذلك في تعقيبه على كلام العتَّابي عندما قال: "وإنّما عنى العتَّابيُّ إفهامَكَ العربَ حاجتَكَ على مجاري كلامِ العرب الفصحاء".

ويتلخَّص من ذلك أنَّ غاية المتكلمين من آلة البلاغة أنْ يستوفوا حدودها التي تضبط عملها أكثر من ضبط تعريفها، ولذلك تساءل بعض العلماء عن السبب الذي منع الجاحظ من تقديم تعريف لعلم البلاغة، ولعل ذلك راجعٌ إلى أنّ الجاحظ من المتكلِّمين الذين يرون في البلاغة آلةً ينبغي ضبط عملها أكثر من تقديم وصف لها؛ لأنّ ما تنتجه الآلة البلاغية عند المتكلمين هو البلاغة التي يتساءل العلماء عن تعريفها.

٢٥/١٢/١٤٤٢

٤/٨/٢٠٢١

تاريخ النشر
08 ربيع الثاني 1445
تاريخ أخر تعديل
08 ربيع الثاني 1445
التقييم