كان الجاحظ يلاحقُ الإجابات عن سؤال: ما البلاغة؟ مثل ملاحقته الاحتمالات المطروحة لتعليل تحريم لحم الخنزير، ومما أثاره في السؤال أنّه لا إجابة يمكن التّحقق من ثبوتها، ولذلك كانت البلاغة إمّا:
- شيئا (انفعالا) تجيش به الصدور.
- أو آلةً تنتقل في الدهور.
- أو صمتًا حين يجب السكوت.
- أو إفهامًا لشيء ليس من المعاني والألفاظ ولا يظهرُ إلا بها.
- أو سطوةً على الحياة بإدراك لوازم الأفكار.
وأميلُ إلى أنّه كان يجد راحةً في الصمت؛ لأنّه وجد في الإيجاز صوتًا وصمتًا، وأورد في ذلك جواب صحارٍ العبديّ: أن تجيب فلا تبطئ وتقول فلا تخطئ، ثم انتبه صحارٌ لطول صوته فأعاده أوجز من الذي سبقه قائلا: لا تبطئ ولا تخطئ.
وكثيرٌ من الحذف إيجاز، وكثيرٌ من التكثيف إيجاز، وكثيرٌ من الصمت بلاغة؛ لأنّ عمرو بن عبيد يرى في طول الكلام تكلّفًا يقود إلى عيب، وتركًا لما هو أولى بالإنسان من الحكمة، والحكمة في الصمت.
ولو ذهبنا مذهب الجاحظ في السؤال والبحث عن جواب ثم قمنا بوزنه بموازين البرهان لوجدنا العقل الجاحظيّ يأبى كثيرًا من الجوابات لأنّها لا تنهضُ بنفسها كالاحتمالات التي وضعت تعليلا لتحريم أكل لحم الخنزير، ولم يبق بعد ذلك إلا أنْ يقول: إنّ الله تعالى حرَّم ذلك فنمتثل لما قال الله ونصمت، والصمت حكمة بشرية وبلاغةٌ جاحظية.
٤/ ١/ ١٤٤٣
١٢/ ٨/ ٢٠٢١