انطلق د. إبراهيم الخولي من قاعدةً وضعها في أولِ حديثه عن طريقة إثبات الدعوى في البحوث العلميّة التي تبحث في الصلات الثقافية بين الأمم، وهذه القاعدة تقول: "إنّ الحكم بتأثر ثقافةٍ بثقافة، أو أدبٍ بأدب، أو نقد بنقد، أو بيان ببيان لا يكفي فيه قيام الصلة التاريخية بين الطرفين". (الخولي: ٥١)

ثم بيّن موقفه من طريقة إثبات الدعوى وأنّها لا تقف على ملاحظة الصلة التاريخية، بل إنّ لـهـا أصولا أخرى أكثر من ملاحظة الصلة التاريخية، وهذه الأصول هي:

١-الصلة التاريخية شرطٌ لإثبات الدعوى بتأثر الثقافات ببعضها، وأنّ هذه الصلة أول ما يمكن الابتداء به للاطمئنان إلى سلامة الحكم.

٢-تفسير الظاهرة الملحوظة في إطار بيئتها، ومعنى ذلك أنْ يقوم الباحث بالبحث عن عوامل نشأة الظاهرة والأسباب التي مهّدت لذلك في بيئتها.

وقد بنى د. إبراهيم الخولي هذا الأصل على قاعدةٍ بدهيّةٍ تقول: "الفرض الطبعي الذي يجبُ أنْ يسبقَ كل الفروض إمكانُ انبثاق الظاهرةِ من بيئتها بشهادةٍ ظاهرةٍ من الواقع". (الخولي: ٥١)

٣-يمكن للباحث أنْ يتجاوز (تفسير الظاهرة في إطار بيئتها) إذا أثبتَ عجز البيئة المحلّيّة التي وجد فيها الظاهرة عن تفسير الظاهرة وتعليل نشأتها.

٤-تُنتِجُ الظروف المتشابهة ظواهرَ متشابهة، وهذا الأصلُ يُبيّن للباحث أنَّ جمعه لوجوه الشبه بين أيِّ ظاهرتين لا ينهضُ دليلا قاطعًا يمنح القارئ طمأنينةً ليُسلِّم بدعوى التأثّر بين الثقافات.

٥-التنبُّه للدوافع النفسيّة أثناء البحث؛ لأنّ النفس تميل إلى إثبات ما تدَّعيه من خلال تسليط النظر على ما يخدم الدعوى التي تريدُ إثباتها وإهمال الأوجه الخلافيّة التي يمكن أنْ تنقض الدعوى بدعوى أنها أوجه خلاف يسيرة، ولذلك لابد أنْ يتجرَّد الباحث من رغباته وأنْ ينظر لكل مؤثرٍ مهما بدا يسيرًا.

٦-لابد للباحث أنْ يتنبَّه إلى أنّ وجود التشابه بين ظاهرتين لابد له من البحث في العوامل والأسباب المهيِّئة للتَّأثُّر بين أيِّ ظاهرتين، وأن يتأكدَ من العوامل المناهضةِ للتَّأثُّر؛ لأنَّ كل اقتباس بين الثقافات لابد أنْ يحدث له ما يهيِّئ ذلك العبور، ويهيِّئ له عوامل حاضنةً، وعوامل تساعده على النشأة والتغيير.

وبعد هذه الأصول التي نبَّه إليها د. إبراهيم الخولي يمكن أنْ يتحقق كل مثقَّفٍ من أحكامه التي يبنيها على (الطريقة التقارنيّة)؛ لأنّها "سلاحٌ ذو حدَّين؛ إذا استعملناه من ناحية للدفع عنَّا أمكنَ أنْ نستعمله ضدَّ أنفسنا أو يستعمله الغير ضدَّنا" (سلامة: ١٧٤)

وملخّص القول: إنّ ملاحظة الشبه بين الظواهر في الثقافات لا ينهضُ بدعوى تأثُّرِ أمَّةٍ بأخرى ما لم يكن لذلك أصولٌ ترفع الاحتمال ورأسها إثبات عجز ثقافة الأمّة المحكوم عليها بالتَّأثُّر عن الإنتاج الفكري واستسلامها للاستهلاك.

٥/ ١/ ١٤٤٣

١٣/ ٨/ ٢٠٢١

تاريخ النشر
08 ربيع الثاني 1445
تاريخ أخر تعديل
08 ربيع الثاني 1445
التقييم