يرى باحثٌ أنَّ الغايةَ في البلاغةِ العربية كشفُ مواطن الجمال وأسراره وأسبابه، والبلاغة شيء مغايرٌ للجمال؛ لأنّ الجمال قيمةٌ متصلةٌ بالأشياء وصفةٌ تُلحظُ في الأشياء وتبعثُ في النفس سرورًا ورضا، والبلاغة آلةٌ تمكِّنُ من إفهام المعاني الخارجيّة أو تصريفها على مقتضيات النفس لإنتاج المعاني النفسيّة.

وفي تقديري أنّ البلاغة العربيّة ليست غايتها الكشف عن مواطن الجمال، بل غايتها أنّ تساعد على نقل المعاني بين الناس ولذلك يطلقون عليها لفظ: آلة البلاغة، وأنْ تمكّنَ النفس من التصرُّف بالأوضاع اللغويّة لتحقيق غاية الإنسان من صناعة المعنى. أما قولك: وجهٌ كالشمس. فليس من الجمال إلا في جهة أنّك تريدُ التقرّب إلى المخاطب وضمَّه إلى جناحِكَ إنْ كانت غايتك تمكين النفس من التصرُّف بالأوضاع اللغويّة من أجل تحقيق صناعة المعنى، وإذا كانت غايتك النّقل والمطابقة فأنتَ تذهبُ مذهب المتكلِّمين والكُتّاب وهدفُك إفهام المخاطب تلك المعاني الملقاةَ خارج نفسه.

ويمكنُ أنْ تمتحن نفسك حين تقرأ قول امرئ القيس:

مهفهفةٌ بيضاء غير مفاضةٍ        ترائبها مصقولةٌ كالسجنجل

وستجدُ أنّ الجمال من أجزاء المرأة الموصوفة وأحدُ المعاني المتصلةِ بخلقتها، وامرئ القيس صاغ بيته مستفيدًا من الأوضاع اللغويّة ليفهمنا المعنى الجميل الذي لحظه في المرأة وهنا تكون الغاية نقلا وإفهامًا، وقد أفاض على المعنى الجمالي المتصل بالمرأة ما رأته نفسه فيها فرتّب أجزاء المعنى الجمالي مبتدأ برشاقتها ولطف خصرها وبياضها مستثنيًا انتفاخ بطنها، عائدًا إلى ترتيب جمالها بأنّ موضع القلادة منها مصقول كالمرآة أو كالزعفران، وهو في هذا الترتيب يصفُ لوازم حداثةِ السِّنّ والرفاهية والتنعيم.

وهنا يظهرُ أنّ الجمال مختلفٌ عن البلاغة، وأنَّه لا طريق لإدراكِ المعاني الملقاةِ في الطريق أو المعاني الناتجة عن النفس إلا بالآلة البلاغية، ولا عجب أن يجتهدَ علماء الإعجاز في دراسة هذه الآلة؛ لأنها تمكّنهم من فهم معانيه وإفهامها الناس، وتمكّنهم من الاقتباس من نوره، والإفادة من نظمه في صناعة معاني الكلام.

١٠/ ١/ ١٤٤٣

١٨/ ٨/ ٢٠٢١

تاريخ النشر
09 ربيع الثاني 1445
تاريخ أخر تعديل
09 ربيع الثاني 1445
التقييم