الصورة الكلاميّة أحد المفاهيم الجاحظيّة التي قدّمها في حديثه عن بلاغة المطابقة، وهي عنده الناتج النهائي المدهش الباعث في المتلقي شغف البحث عن سبب المزيّة وسرِّ الإدهاش.

وأخذ أصحابُ النظم بالصورة الكلاميّة لأنّها حقيقةٌ ذات دلالة على منتجها، وأصحابُ النظم يبحثون في مزيّتها المدهشة، والكيفيّات التي أنتجتها.

والفرق بين الفريقين أنّ مكمن المزيّة عند المتكلّمين هو في فن اختيار الألفاظ؛ إذ بالاختيار يقع التفاضل بين الطبقات والأفراد، ويعرفُ ثراء المرء من فقره، ويصبحُ حجاب المعنى ظاهرًا لا غموض فيه.

أما مكمن المزيّة عند أصحاب النظم فهو في التوفيق بين مقاصد الكلام وأغراض المتكلّم، والمزيّة عندهم في الوحدات الطويلة القائمة على مسندٍ ومسند إليه بينما هي عند المتكلمين في المفردات داخل الوحدات الكلامية.

وهذا يدلُّ على أنّ تشكّل المجتمعات يمكن فهمه من خلال تشكّل مفرداتها داخل الصورة الكلاميّة عند المتكلّمين بينما في نظرية النظم فإنّ تشكّل النفس يمكن فهمه من خلال علاقات الصورة الكلامية ببعضها؛ لأنها عندهم عبارةٌ عن الأوضاع اللغوية مضافًا إليها المعاني النفسيّة المستمدّة من المعاني النحويّة فينتج عن ذلك المزج معان أخرى هي أكثرُ توضيحًا لشكل النفس.

ومن ذلك يمكن القول إنّ الصورة الكلامية شكلٌ هندسي ينطق مرتّبًا بوعيّ مطابقيّ كالذي هو حقيقة الجهد العلمي عند المتكلمين أو شكلٌ هندسي ينطق مرتّبًا بتصرُّفٍ نفسيّ كالذي هو حقيقة الجهد العلمي عند الأدباء، ومعنى ذلك المظهر الشكلي بين البلاغتين المطابقية والنظميّة أنّ الصورة الكلامية علامةٌ تشير إلى الطبقة المتكلّمة عند المتكلمين أو النفس المتصرِّفة عند النظميين، ولا أدلّ على ذلك من اختيار لفظ (صورة) لهذا المتدفق المنطوق.

تاريخ النشر
10 ربيع الثاني 1445
تاريخ أخر تعديل
10 ربيع الثاني 1445
التقييم