مما يمكن أنْ يكون من بلاغةِ الترويع في القرآن ما جاء في (آل عمران: ٨) من دعاء الراسخين في العلم: {ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}، أي: لا تُمِلها عن الهَوَى والقَصْد كما أزغتَ قلوب اليهود والنصارى والذين في قلوبهم زيغ. (الواحدي: ١/ ٤١٥).

وتُشعِرُ الآيةُ القلبَ أنّ الأمر كله بيد الله تعالى هدايةً وغيرها، وهذا مما يبلغُ به التّرويع منتهاه حتى لا يقعَ في القلب أنّ إرادة العبد مستقلّةٌ عن إرادة الله تعالى، وحتى يتعلَّم العبدُ أنّ الدعاء لا يكون بالخير فقط بل به وبالعصمة من ضدِّه.

وجاء تفسير العلم بالمجازاة في قول الله تعالى: {قل إنْ تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير} آل عمران:٢٩، وهذا من المجاز المرسل الذي علاقته المسببيّة؛ لأنّ الجزاء مسبَّبٌ عن العلم فذكر المسبِّب وأراد المسبَّب، ووروده هكذا يدخلُ في الترويع؛ لأنه يربّي النفس على أنّ ما تقوم به لا يخرج عن علم الله تعالى.

وذكر الواحدي أنّه من التحذير، وأنّ الجملة المعطوفة {ويعلم…} إتمام التحذير، وأنّ ختام الآية تحذير من عقابِ من لا يعجزه شيء فاجتمعت في الآية تحذيرات متتالية تربّي النفس بالترويع حتى لا تظنّنّ أنّ ما تتعلل به يمكن أنْ تخفى حقيقته على الله تعالى. 

ويظهر في تفسير الواحدي أنّ الترويع طريقةٌ تساعدُ النفس البشريّة على سلوكِ طريق الحق وعلى الشعور بقوته، وأنّ المقصود بالترويع مصلحةُ الإنسان لا أنْ يكون مستَغلّا لأهدافٍ أخرى، وفي آل عمران: ٣٠ فُسِّر {يوم تجد كل نفس ما عملت محضرًا وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} بأمرين: بيان ما عملت بما ترى من صحائف الأعمال، وجزاء ما عملت بما ترى.

وتقدير محذوف مفعول للفعل (تجد) كان بسبب أنّ الإنسان لا يلقى ما عمله يوم القيامة لأنه في الماضي، بل يجد بيانًا أحصي فيه كل عمله، أو يجدُ جزاء عمله، ونوع (ما) في الآية إما أن تكون موصولة أو مصدريّة.

وسياق الآية يشعرُ بأنّ الهدف من الترويع أنْ يتحقق للنفس مزيدُ اهتمامٍ وعمل، وذلك أنّ ختام الآية {واللهِ رؤوف بالعباد} إشعارٌ أنّ ترويع العباد بذكرِ مشهدٍ من مشاهد يوم القيامة وما يجري فيه من الجزاء رأفة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يهلك عباده إلا بعد تحذيرهم (قاله الحسن)، والتحذير ترويعٌ النفس حتى تلتزم بما يطلب منها. 

تاريخ النشر
22 جمادى الأول 1445
تاريخ أخر تعديل
22 جمادى الأول 1445
التقييم