فضّل الجاحظ طريقة الكُتّاب في البلاغة بأنهم "التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعِّرًا وحشيًّا ولا ساقطًا سوقيًّا"، في إشارةً يتراءى لي منها أنَّه يومئ إلى إنتاج ما تكونُ لك به السيادة، وما يحكم لك بعد تقليده بالريادة. وأهمُّ ما في كلام الجاحظ أنّه يشيرُ إلى أنّ من علامات الإبداع أنْ ينتج المرء ما لا يميل إلى سابق أو حاضرٍ، أي: أنْ يبتدع طريقًا جديدًا لا يقلِّدُ فيها من سبق ولا يسقط بها مع مَنْ سقط. وثناء الجاحظ على الكُتّاب ينتمي إلى البلاغة الإفهاميّة التي اعتنى بها منذ أنْ اطَّلع على صحيفة بشر بن المعتمر، واتصل بعمرو بن عبيد وكلاهما من رؤوس المعتزلة، وهذا يعني أنّ مذهب الإبداع عند المعتزلة يتغيّى التّوسطَ بين ما وجدوه عند من سبق، وما يعيشونه في حياتهم اليوميّة، ولأنّهم يريدون أنْ يحققوا...